الحمد لله الذي جعل الصدق منجاة، والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين.. أما بعد:
فإن من سبر أحوال غالب الناس اليوم وجد بضاعتهم في الحديث "الكذب" وهم يرون أن هذا من الذكاء والدهاء وحُسن الصنيع، بل ومن مميزات الشخصية المقتدرة.
ولقد نتج عن هذا الأمر عدم الثقة بالناس حتى أن البعض لا يثق بأقرب الناس إليه، لأن الكذب ديدنه ومغالطة الأمور طريقته.
وهذا الكتيب هو الثالث من "رسائل التوبة من.." يتحدث عن الكذب: أدلة تحريمه، وأسبابه، وعلاجه. وفيه مباحث لطيفة.
نفعنا الله به وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
مدخل
جعل الله الأمة الإسلامية أمة صفاء ونقاء في العقيدة والأفعال والأقوال. فالصدق علامةٌ لسعادة الأمة، وحسن إدراكها، ونقاء سريرتها. فالسعادة مفتاحها الصدق والتصديق والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب.
ولقد أخبر سبحانه وتعالى أنّه لا ينفع العباد يوم القيامة إلاّ صدقهم، وجعل علم المنافقين الذين تميَّزوا به هو الكذب في القول والفعل.
فالصدق: بريد الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده وحليته، ولباسه، بل هو لبّه وروحه .
والكذب: بريد الكفر، والنفاق دليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضادّة الكذب للإيمان كمضادَّة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلاّ ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه.
فما أنعم الله على عبد من نعمة بعد الإسلام أعظم من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده.
أخي المسلم: إياك والكذب، فإنّه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصوِّر المعدوم موجودا والموجود معدوما والحق باطلا والباطل حقّا، والخير شرا والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه، عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المُخاطب المغترّ به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه، ونفس الكاذب مُعْرضة عن الحقيقة الموجودة نزّاعة إلى العدم مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسَرَى حكم الكذب إليها مضار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.